“عيسى العوام” بين التزوير التاريخي والتضليل الاعلامي والتلويث الفكري / أحمد أبو المنذر



علمونا -ونحن اطفال صغارفي الابتدائية- ان عيسى العوام كان نصرانيا وبطلا عربيا، كان ولاؤه للقومية العربية والوطن العربي، اعظم من ولائه لدينه النصراني،ولهذا حارب اهل دينه النصاري الصليبيين،مع القائد المسلم صلاح الدين،وضحى بنفسه في سبيل القضية القومية حتى استشهد،وكان عيسى هذا مضربا للمثل قي الامانة،كما كان السموأل اليهودي مضرب المثل في الوفاء!!!


وكثير منا لا يعرف عن شخصية البطل عيسي العوام إلا ما قراه او سمعه او شاهده في الكتب المؤلفة حديثا،اوالأفلام والمسلسلات التي عُرضت على القنوات الفضائية والتي –للأسف-لا علاقة لها بالمصداقية التاريخية او الفكرية.. وليست سوى خيال او اساطير.


ومن اشهر الامثلة على ما نقول فيلم الناصر صلاح الدين من اخراج النصراني يوسف شاهين كاحدى المحاولات لترسيخ نصرانية وقومية البطل عيسى العوام. وقصة الفيلم ماخوذة عن قصة الشرقاوي ..وقصة الشرقاوي من نسج خيال عبد الرحمن الشرقاوى . ونحن لانلوم الشرقاوي او يوسف شاهين كثيرا على تزوير التاريخ،فكلاهما ليس مؤرخا بل فنان والفنان كالشاعر يسير على قاعدة “اكذب الشعر- ومثله الفن- اكذبه”..وليس في القصص الواقعية عوامل تشويق وجذب كما في حالة القصص الخيالية،ثم فان كلاهما يتبنى فكرا علمانيا يفصل السلوك عن الاخلاق، وبالتالي فلا غرابة ان تصدر عنهم هذه التزويرات للتاريخ ما دامت تنفع في الترويج للصة والفيلم ..ويتلاشى الاستغراب تماما اذا علمنا أن النصراني يوسف شاهين مخرج فيلم صلاح الدين هو ايضا صاحب أكثر مشاهد الشذوذ الجنسي في السينما المصرية وفقا لبحث أعده الكاتب الإيطالي”جاراى مانكوشي” عام 1998 تحت عنوان “الشذوذ في السينما المصرية” وصاحب أكثر فيلم احتوى على لقطات شذوذ لعام 2007، وصاحب فيلم المهاجر الذي صور قصة يوسف بطريقة وقحة للغاية..!!!


اما القصة الحقيقية لعيسى العوام فهي موجودة في كتاب النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية لابن شداد قاضي صلاح الدين الأيوبي وهي موجودة ايضا فى كتاب الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية لأبي شامة المقدسي الذي ساق القصة نقلا عن العماد الأصفهاني أحد كتبة ديوان صلاح الدين. ودعونا نقارن بين القصة كما وردت عند يوسف شاهين وكما وردت عند المؤزخين المسلمين !!
اولا :القصة كما صورها يوسف شاهين في فيلمه الناصر صلاح الدين .. يظهر هذا بطل القصة عيسى على أنه نصراني يقع في حب فتاة صليبية ،وهذه الفتاة رئيسة لمجموعة من الجنود الهوسبيتاليين ممن كانوا يرافقون الحملة الصليبية على بيت المقدس ..ويُكلف هذا البطل بتوصيل رسالة إلى أحد الأشخاص في مدينة عكا أثناء حصارها من قبل الصليبيين …فيُكتشف أمره أثناء عودته، ويجرح ويقع في البحر، ثم يتم انتشاله من قبل الصليبين بعد ذلك، وكان هذا البطل يعلق صليبا على صدره ..فيعرفون أنه نصراني عربي ويحملونه إلى إحدى الخيم، وهناك تلتقي به فتاته التي وقع في حبها، فتسهر على راحته كما يقولون حتى يتماثل للشفاء .. إلى آخر القصة المزيفة . وانظروا إلى هذا المشهد من الفيلم :


عيسى العوام يظهر تمسكه بالصليب فتتتعجب الممثلة … وتسأله:نصراني وتحارب معهم ؟؟ عيسى العوام :إنهم أهلي……كلمات بسيطة….. لكنها تعبر عن أنه لا يحارب من أجل دين وعقيدة بل من أجل قوميتة ومن أجل أنهم أهله فقط!! مشهد آخر الملوك أوروبا يستعرضون ألقابهم صلاح الدين(معرفاً بنفسه) : صلاح الدين عبد الله وخادم العرب!! عرب!!!! أي عرب؟؟ ومتى اصبح صلاح الدين عربيا …وأين الإسلام !!!!؟


اما القصة الحقبقة كما وردت عند من عاصرها ونقلها عمن عرفها عن كثب فقد وردت في كتاب( النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ) أيام محنة عكا ، دعونا نقرأ ما قالت الكتب التاريخية الموثقة ” ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً ” مسلماً ” كان يقال له عيسى ،وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها – بالكتب والنفقات على وسطه –أي يربطه على وسطه – ليلاً على غرة من العدو ، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو،وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس، فيها ألف ديناروكتب للعسكر،وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه،وأبطأ خبره عنا،وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله،فأبطأ الطير، فاستشعر الناس هلاكه،ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد،وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً ،فافتقدوه– أي تفقدوه – فوجدوه عيسىالعوام،ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب،وكان الذهب نفقة للمجاهدين،فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته ، إلا هذا الرجل ..

 وأوردها أيضاً صاحب كتاب : تذكير النفس بحديث القدس ( 1/378 – 379 ) فيقول:ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً ” مسلماً ” كان يقال له عيسى ، وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا أثناء حصار الإفرنج لها – بالكتب والنفقات على وسطه–أي يربطه على وسطه- ليلاً على غرة من العدو،وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو،وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس،فيها ألف ديناروكتب للعسكر،وعام في البحر فجرى عليه ما أهلكه، وأبطأ خبره عنا،وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طيرعرّفنا بوصوله،فأبطأ الطير،فاستشعر الناس هلاكه،ولما كان بعد أيام، بينما الناس على طرف البحر في البلد،وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً،فافتقدوه– أي تفقدوه- فوجدوه عيسى العوام،ووجدواعلى وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُئي من أدّى الأمانة في حياته وأدّاها بعد وفاته،إلا هذا الرجل!!!

من كتابي “ابطال مسلمون مغمورون …..لكن عظماء.”.

9 Comments

  1. استهنا باسلامنا فاستهانت بنا الحياة ,,,,, اخدنا من اسلامنا اضعف الايمان ,,,,والله عزوجل قال فينا
    بسم الله الرحمن الرحيم
    كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
    جرينا وراء العلمانية ووقعنا في فتن قومية ومذهبية وتركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل من يقوم بما يرضي الله وبواجبه كمسلم اصبح متطرفا اخونجي سلفي متخلف
    بارك الله بك اخي ابو المنذر وجزاك كل الخير ان شاء الله

  2. سلاح الكلمة- يا اختي مراحب- قد يكون في بعض الاحيان اقوى من الصوارخ العابرة للقارات …وكل الانبياء والعظماء والمصلحين غيروا العلم بالكلمة…لا بالسلاح المادي …فالسلاح المادي يملك قرار الضغط على زر استعماله شخص ما ، ولكنه لا يستعمله حتى يقتنع بضرورة ذلك …والشخص الذي يقنعه باستعمال السلاح او عدم استعماله اي صاحب سلاح الكلمة -القادر عبى الاقناع – هو قطعا الاقوى لانه لولا اقناعه لمالك السلاح لما انطلق السلاح …لهذا فانا لا اخشى على الامة من القوى العسكرية المعادية بل اخشى ما اخشاه هو سلاح ““ التزوير التاريخي والتضليل الاعلامي والتلويث الفكري / ….وتحياتي لك ..ولكل من يتالم لواقع امة الاسلام ويعمل على انهاضها.

  3. صدقت اخي ابو المنذر ,,,, سلاح الكلمة اقوى سلاح
    وفي معلقين بنورت كانو يقولوا الكلام ببلاش ,,,,, طلع الكلام حقه غالي وحسابه عسير بالدنيا وبالآخرة ,,,, بس للاسف مابيفهموا انو للكلام حساب وفاتورة راح ندفعها ان عاجلا او اجلا

  4. سلام عليكم,
    معلومات جديده أقرأُها لأول مرة.
    جزاك الله خير أخي أحمد على الإفاده والطرح الرائع.
    استمتع بقراءة المقارنات ,والمقارنه التي طرحتها رائعه.

    اتفق معك تماما على فعالية وتأثير سلاح الكلمه .
    أقر بأن مفاهيم كثيرة تغيرت وتبدلت لدي على إثرمطالعتي لكتاباتك وكتابات الإخوان.
    فأنا تربيت ببيت يقدس فكرة القومية العربيه ويقر بأهمية الدين لعلاقة الفرد مع ربه. وكأنه قرار شخصي معزول عن نسيج ما حولنا.
    الحمدلله الذي سخر لنا جنودا ترمي بذرة الصواب اينما حلّت.

  5. اخيرا لقيت حدا على الموقع وينكن ياجماعة ,,,, طلوا علينا
    يسعد مساكي او صباحك ام داني العزيزة

  6. اهلا اهلا بست الكل
    كيف الحال؟
    كيفك انت وهالبرد؟

  7. اسعد الله مسائك – او صباحك – اختي ام داني
    اختي الكريمة : ان المدقق في تاريخنا المعاصر – والقديم – يجد ان فكرة القومية كانت من اهم العوامل التي جعلتنا في الوقت الحاضر
    نعيش اسوا الاحوال ….!!!
    اما قديما فكانت النعرات العصبية – قيس ويمن.. عرب وبربر ..عرب وفرس ..عرب وامازيع …الخ من اهم العوامل التي ادت الى تمزيق دولة الاسلام !!
    واما في التاريخ المعاصر فقد هدم اتاتورك دولة الاسلام بسبب نعرته الطورانية وسياسة التتريك التي مارسها ضد سائر القوميات …وكانت ردة الفعل من نفس جنس الجريمة …نعرة قومية عربية واخرى كردية وثالثة وفرعونية ..الخ ….وها نحن الذي نعيش الان في اسوا الاحوال وندفع ثمن تلك النعرات …فبدل من ان نعيش في دولة اسلامية واحدة قوبة عزيزة… بتنا نعيش ضمن اكثر من 52 دويلة كرتونية هشة لاتستتطيع حماية اي مواطن من مواطنيها ..بل هي حرب على المسلمين وامان لغيرهم …!!!
    فحسبنا الله في المجرمين الذين اوصلونا الى هذا الحال!!!
    تحياتي لك …ولكل مسلم يتمنى ان تتوحد الامة في دولة واحدة قوية عزيزة كريمة … يُعز فيها الاسلام واهله ويُذل فيها الشرك والكفر والنفاق واهله .

  8. لا شو برد دفي الجو عنا درجة الحرارة -7
    يا اهلين وسهلين ومرحبتين بالعزيزة ام داني وداني

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي السوسنة وإنما تعبر عن رأي أصحابها